قدّمت دراسة جديدة قادها مجموعة من العلماء في معهد سكريبس للأبحاثThe Scripps Research Institute (TSRI) مفهومًا جديدًا للنظرية الشهيرة حول كيفية نُشوء الحياة على الأرض منذ حوالي أربعة بلايين سنة.
أثارت هذه الدراسة التساؤلات حول فرضية عالم الـ RNA، وهي تلك النظرية التي تتحدث عن كيفية تطور جزيئات الحمض النووي الريبي (RNA) لكي تُشكَّل البروتينات والحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (DNA). وبدلًا من ذلك، قدّم هذا البحث الجديد دليلًا على وجود عالَم تطورت فيه جزيئات الـ DNA و الـ RNA في وقتٍ واحد.
يقول رامانارايانان كريشنامورثي(Ramanarayanan Krishnamurthy) وهو الأستاذ المُساعد في قسم الكيمياء ضمن معهد (TSRI) والمُؤلّف الرئيسي لهذه الدراسة الجديدة: «حتى وإن كُنتَ تعتقد بوجود عالَم يحوي على الـ RNA فقط عند بداية نُشوء الحياة، يجب عليك أن تُؤمن بأنّ شيئًا ما وُجد مع الـ RNA لمساعدته على التطور»، ويُتابع قائلًا: «لمَ لا نُفكّر باحتمالية ظهور كِلا الحمضين النوويين RNA وDNA معًا عوضًا عن مُحاولة تحويل الـ RNA إلى DNA باستعمال بعض الوسائل الكيميائية الرائعة في مرحلة ماقبل التكوين الجنيني؟»
دعونا نُلقي نظرة إلى الماضي:
درس الباحثون فرضية عالَم الـ RNA لمدة تزيد عن 30 عامًا. وتكمُن الفكرة وراء هذه النظرية بأنّ سلسلة من التفاعلات الكيميائية أدّت إلى تشكيل جزئيات RNA ذاتية التضاعف. بعد ذلك، تطورت جزيئات الـ RNA لتُشكَّل البروتينات والإنزيمات التي تُشبه النُسَخ القديمة للجزيئات التي تتكون منها الحياة في يومنا هذا. وفي نهاية المطاف، ساعدت هذه الإنزيمات جزيئات الـ RNA على إنتاج جزيئات الـ DNA ممّا أدّى إلى ظهور الكائنات الحية المُعقدة.
وبشكلٍ سطحي، فإنّ كلاًّ من جزيئات الـ DNA والـ RNA تشبه بعضها بعضًا، إذْ يُشكِّل الـ DNA بُنية على شكل سُلَّم (تُمثل أزواج القواعد النتروجينية درجات السُلَّم بينما تُمثل جزيئات السكر الريبي جانبَي هذا السُلَّم)، في حين تُشكِّل جزيئات الـ RNA ما يُشبه جانب واحد من هذا السُلَّم.
وفي حال كانت نظرية عالَم الـ RNA دقيقة، فإنّ بعض الباحثين يعتقدون بإمكانية وجود العديد من الحالات التي ستُمزَج فيها نكليوتيدات الـ RNA مع نكليوتيدات الـ DNA ضمن العمود الفقري له، ممّا سيؤدّي إلى تشكيل سلاسل غير مُتجاسة. وفي حال كانت هذه السلاسل الممزوجة مُستقرة، فستُشكِّل مرحلة وسيطة من مراحل التحوُّل إلى جزيئات الـ DNA.
وجود مشاكل في عدم الاستقرار:
تُظهر الدراسة الجديدة فقدانًا كبيرًا في الاستقرار عندما يشترك الـRNA والـDNA بنفس العمود الفقري، لأنّ هذه البنى الممزوجة لا تبقى معًا، كما في حالة الـRNA النقي والـDNA النقي، ممّا سيعود بالضّرر على قُدرتِهما على الاحتفاظ بالمعلومات الجينية والتضاعف.
وقد صرح كريشنامورثي قائلًا: «لقد فوجئنا برؤية انخفاض عميق جدًا في ما نُطلق عليه اسم الاستقرار الحراري»، ويبدو أنّ حالة عدم الاستقرار هذه ناتجة عن الاختلاف في بُنية جزيئة السُكر الخاصة بالـ DNA في مقابل جزيئة السُكر الخاصة بالـRNA.
تدعم هذه النتيجة بحثًا سابقًا قام به بروفيسور الكيمياء البيولوجية في جامعة هارفرد والحاصل على جائزة نوبل جاك زوستاك (Jack Szostak)، والذي أظهر من خلاله وجود انخفاض في وظيفة ربط النكليوتيدات وذلك عند مزج الـRNA مع الـDNA.
وبسبب حالة عدم الاستقرار تلك، فمن المُرجَّح أنّ البُنى المُختلطة الموجودة ضمن عالَم الـRNA ستموت وتزول لصالح جزيئات الـRNA الأكثر استقرارًا. ويعكس ذلك ما يراه العلماء حاليًا في الخلايا: ففي حال اندماج القواعد النتروجينية الخاصة بالـRNA مع سلسلة DNA، ستُهرعُ الإنزيمات المُعقدة في محاولة لإصلاح هذا الخطأ الحاصل. ولقد أدّت عملية التطور إلى وجود نظام يُفضِّل الجزيئات المُتجانسة الأكثر استقرارًا.
ومن المُحتمل أنّ هذه الإنزيمات المُعقدة لم تكن موجودة عندما حدثت عمليات التطور المُبكرة لجزيئات الـ RNA والـDNA، وبالتالي فإنّ تلك البدائل لربما كانت تُعيق قدرة هذه الجزئيات على التضاعف وأداء وظائفها المُحددة. يقول كريشنامورثي: «إنّ عملية الانتقال من RNA إلى DNA لم تكن لتكون عملية سهلة بدون وجود الآليات التي تُساهم في فصلِهما عن بعضِهما البعض».
دفع هذا الإدراك العلماءَ للأخذ بعين الاعتبار النظرية البديلة التي تنصُّ على أنّ جزيئات الـRNA والـDNA ظهرت بالتتابُع.
وقد أكدّ كريشنامورثي أنّ مُختبره لم يكن المُختبر الأول الذي اقترح هذه النظرية، ولكنّ النتائج بشأن عدم استقرار البُنى المُختلطة قدّمت للعلماء دليلًا جديدًا يجب أن يُؤخَذ بعين الاعتبار.
ففي حال تطور كل من الـRNA والـDNA في الوقت نفسه، فسيكون الـDNA قادرًا على تأسيس النظام المتجانس الخاص به في وقتٍ مبكر. بالإضافة الى أنّ جزيئات الـRNA ستظلُّ قادرةً على التطور وإنتاج الـDNA، ولكن من المُحتمل أن يكون هذا الأمر حدَث بعد أول لقاءٍ ما بين الـRNA والـDNA من أجل ان تكون تعرفت على مكوناته.
وفي الختام، أضاف كريشنامورثي أنّ العلماء لن يعرفوا بالضّبط كيفيةَ نشوءِ الحياة (مالم يخترعوا آلةَ الزمن). بالرّغم من ذلك، يستطيع العلماء الحصول على مُؤشرات بخصوص أساسيات علم الأحياء من خلال الأخذ بعين الاعتبار جميع ظروف التطور المُبكَّر.
اقرأ أيضًا: لغز الطيور الصغيرة غير القادرة على الطيران والموجودة في جزيرة وسط المحيط الأطلسي
المصدر: scripps