وجدت دراسة حديثة أن أقارب الإنسان القديم عاشوا في ما يُسمى شبه الجزيرة العربية حاليًا لفترة طويلة بشكل عجيب – منذ حوالي 240000 إلى 190000 سنة – وانتشروا في قلب المنطقة وتتبعوا الأنهار والبحيرات.
وقال الباحثون في الدراسة التي نُشرت في 29 نوفمبر في دورية ساينس ريبورتس إن هؤلاء الأقارب استمروا لفترة طويلة حتى أنهم اصطدموا ببعض البشر المعاصرين أو إنسان الهومو على طول الطريق.
لكن فريق البحث لم يصنع هذا الاكتشاف من خلال دراسة أكوام من عظام ما قبل التاريخ.
بدلًا من ذلك، سافروا إلى المملكة العربية السعودية لفحص وتأريخ فؤوس اليد الحجرية التي ابتكرها هؤلاء الأقارب البشريون القدماء.
دراسة قادت الباحثة اليانور سكيري لاكتشاف قوالب آشولية عملاقة، التي أُنشِئت لخلق رقائق الفأس اليدوية.
أدوات قديمة سهلة الاستخدام
نظر العلماء إلى فؤوس يدوية صنعها الهومونينز_Homonins، وهي مجموعة تضم البشر، وأجدادنا وأبناء أعمامنا التطوريين.
«وبعبارة أخرى، تأريخ الفصل بين الخط الذي أدى إلى أسلافنا والخط الذي أدى إلى أسلاف الشمبانزي»، كما قالت إليانور سكيري، وهي زميلة ماري كوري بمعهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري بألمانيا.
وقالت سكيري: «كان لدى الهومونينز الأوائل أدمغة صغيرة وصنعوا أدوات أولية».
«ومع ذلك، كان لدى الهومونينز اللاحقين أدمغة أكبر وكانوا أكثر تطورًا».
«وبدلًا من طَرقِ الصخور معًا بشكل متعمد لإنتاج رقائق حجرية ذات حواف حادة، قاموا بإنشاء أعمال فنية جميلة متناظرة تدعى بالفؤوس اليدوية».
تُعرف أدوات القطع الكبيرة (مثل فؤوس اليد) المصنوعة بواسطة الهومونينز كأدوات آشولية_Acheulean.
هذه الأدوات – التي تسمى “سكين الجيش السويسري من عصور ما قبل التاريخ” – تعود إلى 1.5 مليون سنة مضت.
ولأنه من النادر العثور على عظام الهومونينز، فإن الأدوات الآشولية تعد شيئًا رائعًا للإنسان عند محاولة تَصوُّر متى وأين عاشوا، كما يقول الباحثون.
ما صنعه الإنسان من الفؤوس اليدوية في منطقة شبه الجزيرة العربية هو غير واضح حاليًا.
وقالت سكيري: «ومع ذلك، فإن البشر الذين عُثِرَ عليهم كمستخدمين للأدوات الآشولية هم الهومو إركتوس، الذي كان على الأرجح سلفًا مباشرًا للبشر.»
لم يكن يُعرف سوى القليل عن المجموعات الصانعة للأدوات الآشولية في هذه المنطقة، وهي منطقة حساسة بين إفريقيا (حيث عُثِرَ على أدوات آشولية باكرة) وأوراسيا (حيث اكتُشِفَت أدوات آشولية لاحقة).
لذا، اجتمع الباحثون في الدراسة الجديدة في صَفقة، وهو موقع أثري للهومونيز في منطقة الرياض، المملكة العربية السعودية.
عرف علماء الآثار عن صفقة منذ الثمانينيات، عندما وجدوا 8395 قطعة أثرية مدفونة هناك.
لكن هذه القطع الأثرية لم تكن مؤرخة.
لمعرفة المزيد، قام الباحثون بالتعمق في التراب في صفقة، واكتشفوا أكثر من 500 قطعة أثرية حجرية إضافية أثناء التنقيب.
تاريخ “سكين الجيش السويسري”
كشف التأريخ أن البشر عاشوا في صفقة منذ 80000 عام مضت، ما يجعله أقدم موقع آشولي في جنوب غرب آسيا.
هذا الاكتشاف مُلفت للنظر، لأنه يُظهر أن الأدوات الآشولية في منطقة شبه الجزيرة العربية حاليًا انتهت قبل أو في نفس الوقت الذي قام فيه الإنسان العاقل بصنع هذه الأدوات في منطقتهم، كما قال الباحثون.
استخدم الفريق الدولي التأريخ التألقي لتحديد عمر الأدوات.
وتقيس هذه الطريقة كمية الضوء المنبعثة من الطاقة المخزنة في أنواع معينة من الصخور والتربة، إذ تخزن بعض المعادن الطاقة من الشمس بمعدل معروف، كما تقول سكيري.
وقالت: «عندما تُدفن هذه المعادن، فإنها لا تعود قادرة على تخزين هذه الطاقة، عن طريق تسخين المعادن، تُفرغ الطاقة المخزنة، وتعطي كمية الطاقة التي تُفرغ قياسًا لنقطة زمانية لآخر تَعَرُّض لضوء النهار».
وكشف البحث أيضًا أن هذه الكائنات البشرية انتشرت في جميع أنحاء المنطقة عبر ممراتها المائية.
على الرغم من أن شبه الجزيرة العربية عبارة عن صحراء شاسعة اليوم، إلا أنها كانت أكثر خضارًا خلال عدة فترات وجيزة في الماضي.
وقالت سكيري: «يبدو أن البشر الذين يصنعون الأدوات الآشولية في صفقة قد شقوا طريقهم إلى قلب هذه المنطقة عندما كانت شبكات وقنوات الأنخار فعّالة».
لكن هذه المنطقة كانت تجف مرة أخرى قبل حوالي 188000 سنة، كما قالت.
لذا، من المرجح أن الهومونينز المسؤولين عن هذه الأدوات الحجرية كانوا مرنين للغاية في مواجهة التحديات البيئية، كما قالت.
رغم أن موقع صفقة لم يكن صحراء عندما كانت هذه الكائنات البشرية الآشولية موجودة، ربما كانت لا تزال بيئة جافة.
اقرأ أيضًا:
ما السبب وراء انقراض قرش (الميغالودون)؟ أجوبة جديدة حصلنا عليها
المصدر: livescience