كان موقع الحفريات “مالابا” في جنوب أفريقيا مهد الجنس البشري، الذي اكتشفه لي بيرغر من جامعة ويتووترسراند جوهانسبرغ في أغسطس/آب 2008، أحد أكثر مواقع القرن الحادي والعشرين غزارةً بأحافير أسلاف البشر الأوائل أو أشباه البشر hominins، خبرنا هنا عن أوسترالوبيثيكوس
قام بيرغر وزملاؤه بتسمية نوع جديد من أنواع hominin، أوسترالوبيثيكوس سيديبا Australopithecus sediba (Au. sediba)، بعد اكتشاف هيكلين عظميين متهتكين يقلّ عُمرُهما عن مليوني سنة، ذكر يافع Malapa Hominin 1 (MH1) – و أنثى بالغة Malapa Hominin 2 (MH2). الهياكل العظمية تحت وصاية جامعة ويتواترسراند، حيث يُحتفظ بها. وهي أكثر اكتمالًا من حفرية ’’لوسي‘‘ الشهيرة، أو أوسترالوبيثيكوس أفارينيسيس Australopithecus afarensis وهي أحد أسلاف البشر المنقرضة، تمّ العثور عليها عام 1974 في أثيوبيا.
الآن، وبعد 10 سنوات من اكتشاف مالابا، نُشر وصف كامل لأحافير أسلاف البشر، وكذلك بيانات القياس والمسح السطحي للأحافير، يمكنك الوصول إليها عبر موقع Morphosource.org، في عددٍ خاص من مجلة بليوأنثروبولوجي.
يقول الكاتب المشارك جيريمي ديسيلفا، وهو أستاذ مساعد في علم الإنسان (الأَنْثرُبُولُوجيا) في دارتموث، وشارك في تأليف أربعة من الأوراق البحثية، منها الطرف السفلي وميكانيكا المشي: «يجبرنا التشريح الذي نشاهده في أوسترالوبيثيكوس سيديبا على إعادة تقييم الطريق الذي أصبحنا فيه بشرّا».
ويقول العلماء أن البشر الأوائل ما زالوا ينحدرون من شجرة التطور منذ مليوني عام، بعد تأكيد مجموعة من الأحافير المثيرة للجدل كانت تمثل ’’حلقةً مفقودةً‘‘ في شجرة التطور البشرية.
وأثارت حفرية أوسترالوبيثيكوس سيديبا الجدل العلمي منذ العثور عليها قبل 10 سنوات. وأثبت الباحثون الآن أنّها مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بجنس الإنسان، وتمثل نوعًا من الجسور بين البشر الأوائل وأسلافهم.
وتندرج أحفورة مالابا بين لوسي التي عاشت منذ 3.9 و 2.9 مليون سنة والإنسان الماهر الذي بدأ باستخدام الأدوات منذ 1.5 و 2.1 مليون سنة.
ووفقًا للدراسة التي نشرت في مجلة بليوأنثروبولوجي فإنّ البشر الأوائل في تلك الفترة قضوا وقتًا طويلًا في تسلق الأشجار، ربما بحثًا عن الطعام والحماية من الحيوانات المفترسة.
وقال رئيس البحث سكوت وليامز من جامعة نيويورك: «هذه الصورة الكبيرة تلقي الضوء على طريقة حياة أ. سيديبا وأيضًا على تحوّل كبير في تطور أشباه البشر».
يتكون البحث من تسع أوراق منفصلة تحلل: الجمجمة والعمود الفقري والصدر والحوض والطرف العلوي والكتف والذراع والساعد واليد وأحافير الطرف السفلي من أوسترالوبيثيكوس سيديبا مع أوصاف لحجم الجسم والتناسب، وآلية المشي بما في ذلك وضع رسوم متحركة ثلاثية الأبعاد لطريقة مشي أوسترالوبيثيكوس سيديبا.
شارك في تأليف الأوراق كبار علماء الأنثروبولوجيا، وهم أعضاء في المجموعة الرئيسية من الباحثين الذين جمعهم بيرغر لدراسة أحفورة مالابا.
ويستند هذا البحث إلى 135 عينةً تقريبًا من MH1 و MH2 وما قد يكون فردًا ثالثًا، واكتُشفت جميع هذه العينات في الفترة ما بين 2008 و 2016.
وجد الباحثون أن أوسترالوبيثيكوس سيديبا هو في الواقع نوعٌ فريد، إذ يدحض النُّقَاد السابقون الذين شككوا في صحة أنّه نوع خاص.
أحد الهياكل العظمية من أحفورة أوسترالوبيثيكوس سيديبا التي تمّ الإعلان عنها في مؤتمر صحفي عام 2010
تتميز أوسترالوبيثيكوس سيديبا عن أوسترالوبيثيكوس أفريكانوس، التي تشترك معها في قربها الجغرافي، وعن الأسلاف الأوائل لجنس الهومو (مثل هومو هابيليس) في شرق وجنوب إفريقيا.
ومع ذلك، فإنها تشترك أيضًا في الميزات مع كلتا المجموعتين، ما يشير إلى وجود علاقة تطوّرية وثيقة.
وأوضح ديسيلفا: «تتحدى النتائج التي وصلنا إليها النظرة التقليدية الخطية للتطور، إذ كان يُعتقد سابقًا أن الأنواع الأحفورية الأصغر سنًا بألف مليون سنة من لوسي ستبدو بالتأكيد أشبه بالبشر».
«بالنسبة لبعض التراكيب التشريحية لأوسترالوبيثيكوس سيديبا، مثل الركبة، هذا صحيح، ولكن بالنسبة لبعضها الآخر، مثل القدم، فهو بديل عن ذلك، نشهد ذريّات موازية، توضح كيف اختلفت اختبارات الحمض النووي في وقت مبكر من تاريخنا التطوري المعقد».
ما يزال هناك الكثير لاكتشافه:
تعني كلمة أوسترالوبيثيكوس Australopithecus القردة الجنوبية، وهو جنس من أشباه البشر hominins عاش منذ حوالي مليوني سنة.
لقد أثار اكتشافهم سنوات من الجدل في المجتمع العلمي، إذ رفض بعضهم فكرة أنّهم كانوا من فصيلة لم تكتشف من قبل ولها صلات وثيقة بجنس الهومو، وآخرون يعزون فكرة أنهم من نوعين مختلفين تمامًا.
هذه الأوراق البحثية الجديدة تتناول انتقادات أوسترالوبيثيكوس سيديبا من الزملاء الآخرين أثناء تصحيح بعض الملاحظات الأولية واختبار أفكار جديدة بخصوص هذه المجموعة الاستثنائية.
على سبيل المثال، افترض باحثون آخرون أن هذه الأحافير كانت لأكثر من نوع واحد بسبب الاختلافات في حجم وشكل الفقرات.
لكن الأبحاث الجديدة دفنت هذه الاقتراحات، وأوضحت ’’ميزات عديدة‘‘ تتقاسمها الهياكل العظمية مع الأحافير من جنس الهومو.
أوضح المحرر المشارك سكوت أ. ويليامز، وهو أستاذ مشارك في علم الأنثروبولوجيا في مركز دراسة الأصول البشرية في جامعة نيويورك، وشارك في تأليف اثنين من الأوراق، بما في ذلك واحدة على العمود الفقري: «يمكن أن تعزى الاختلافات في هذه الفقرات ببساطة إلى الاختلافات العمرية في النمو، فالفقرة عند اليافع لم يكتمل نموها بعد، بينما اكتمل نموها عند البالغ».
على سبيل المثال، تبّين أنّ اليدين والقدمين في أوسترالوبيثيكوس سيديبا تُستخدم في كثيرٍ من الأوقات في تسلق الأشجار. إذ تمتلك يدين ماهرتين بالإمساك، وهي أكثر تطوّرًا من تلك التي لدى الإنسان الماهر، ما يوحي بأنّها أيضًا كانت تستخدم أدوات مبكرة.
تسلط هذه الصورة الأكبر الضوء على حياة أوسترالوبيثيكوس سيديبا وأيضًا (بشكل مباشر أو غير مباشر) على التحول الكبير في تطور أسلاف البشر، وأن الأنواع التي تشبه القرد إلى حد كبير تضم الأوسترالوبيثيكوس إلى أقرب أعضاء جنسنا، الهومو.
كما سلّط الباحثون في ورقتهم الضوء على قصة رائعة عن كيفية العثور على الحفريات، مشيرين إلى أنّ أدلةً أخرى درامية لتاريخ الإنسانية لا تزال تنتظر الكشف عنها.
وكتب الباحثون: «اكتشف لي بيرغر الأحفورة الأولى سيديبا عندما كان في التاسعة من عمره ويتمشى مع كلبه بالقرب من موقع مالابا فتوقف لفحص الصخرة التي تعثّر بها».
وأضافوا: «تخيّل للحظة لو أن لي عثر على الصخرة واستمر في تتبع كلبه دون أن يلاحظ الحفرية».
«إذا كانت تلك الأحداث قد وقعت بدلًا من ذلك، فإنّ علمنا لم يكن ليعرف شيء عن سيديبا، وبقيت تلك الحفريات، مغطاة برواسب الطحالب المتكلّسة، ما تزال تنتظر اكتشافها».
وخلص الباحثون إلى أن الاكتشاف وليد الصدفة لحفريات ’’مالابا‘‘ وغيرها من الاكتشافات الحديثة الأخرى المشابهة يجب أن يكون بمثابة تذكير لنا بأنه ما يزال هناك كثير لاكتشافه حول ماضينا التطوري.
اقرأ أيضًا: