لا توجد حادثتا ولادة متشابهتان ، ولكن فيزيولوجية الأنثى التي تأتي بالناس إلى هذا العالم أكثر تنوعًا وتعقيدًا مما قد تجعلك كتب العلوم تصدقه ، هذا ما يفيد به بحث جديد . يظهر تحليل لمئات الهياكل العظمية لعدد من النساء حول العالم يعود تاريخها حتى 2000 عام قبل الميلاد أن أقنية الولادة تبدي تنوعًا أكبر مما وجده العلماء على الإطلاق . ولقد فاتتنا هذه الاختلافات بسبب التركيز الطبي التاريخي على نوع محدد واحد من الأجساد .
تقول المختصة بعلم الإنسان التطوري ليا بيتي (Lia Betti)، من جامعة روهامبتون (the University of Roehampton) في المملكة المتحدة، لـ AFP: «تدريب أطباء التوليد مركّز على قالب الحوض المستمد من النساء الأوروبيات». «ولكن يمكن لشكل الحوض المعتاد ولأنماط الولادة المعتادة أن تختلف بين السكان. إذن يبدو أن التحديث بات ضروريًا، خاصة في مجتمع متعدد الأعراق».
بيتي والباحثة المرافقة أندريا مانيكا (Andrea Manica،) عالمة الكائنات الحية التطورية بجامعة كامبريدج، تحرّتا عن أحواض 345 أنثى من 24 بلدًا مصدرها عدّة قارات من الأزمنة القديمة وحتى المعاصرة. عادةً، يفترض العلم أن هذه الهياكل العظمية يجب أن توفر مجموعة واسعة من الأدلّة لما يعرف باسم المعضلة التوليدية (obstetrical dilemma).
المعضلة التوليدية هي فكرة أن شكل الحوض الأنثوي يمثل مقايضة تفاضلية تطورية ما بين عاملين قويين متنافسين: الحاجة إلى المشي بانتصاب على القدمين، والحاجة إلى توليد أطفال بجماجم كبيرة. إن الفرضية -والتي سادت على مدى عقود- تصنع عددًا من الافتراضات حول الحمل والولادة، مثل كيفية دوران الأطفال بينما يجدون ممر قناة الولادة.
وقالت بيتي لصحيفة الغارديان The Guardian: «ومع ذلك، فقد كان ذلك مبنيًا -بشكل أساسي- على النساء الأوروبيات اللاتي يمتلكن قناة ملتوية بشكل خاص». «فيما يعد نمط الولادة المختلف غريبًا بالنسبة للنساء الأوروبيات، بل حتى يدق ناقوس الخطر بينهن، قد يكون طبيعيًا تمامًا بالنسبة لسكان آخرين».
وهذا ما يدل عليه هيكل الحوض لتلك الهياكل العظمية الـ 348، مُظهرًا مجموعةً من القنوات الحوضية ذات الأشكال المختلفة من أجزاء مختلفة من العالم ، والتي يقترح الباحثون أنها دليل على تطور عشوائي ومحايد neutral evolution، بدلاً من وحدويّة الانتقاء الطبيعي. يكتب المؤلفون: «القصة المعهودة ‘لمعضلة التوليد’ ترى قناة الولادة “تسويةً وثيقةً” بين الحوض الضيق المناسب للتحرك وبين الحوض الواسع المناسب للتوليد، ما يعطي انطباعًا أن القيود الوظيفية يجب أن تحد من تباين الإناث في شكل القناة».
«هذا ليس صحيحًا على الإطلاق».
يقول الباحثون إن النساء في المناطق الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى لديهن أقنية ولادة أعمق، في حين إن النساء الأمريكيات الأصليات يظهرن أقنية ولادة أوسع، بينما نساء آسيا وأوروبا وشمال إفريقيا فهن في مكان ما في الوسط، وتُظهر النساء من المناطق الأكثر برودة شكلًا بيضويًا لمدخل القناة. لكن الباحثين لا يعتقدون أن درجات الحرارة المنخفضة هي المسؤولة في المقام الأول عن هذه الاختلافات.
وبدلاً من ذلك، فإن العملية العشوائية للانجراف الجيني تعني أنه مع التوسّع السكاني بعيدًا عن أفريقيا وتأسيس قارات جديدة، تقلّص التنوّع في قنوات الولادة مع انخفاض التنوّع الجيني . ويقترح الباحثون: «كل حدثٍ مؤسسٍ، في الواقع، حقّقته مجموعة سكانية لا تحمل سوى جزءٍ من التنوع الوراثي لأجداد تلك المجموعة السكانية».
«إن أثر هذه الأحداث التأسيسية المتسلسلة يكون واضحًا في التباين الجيني للسكان الحديثين، إذ ينخفض التنوّع الجيني مع زيادة المسافة من أفريقيا». في نهاية المطاف، هذه العملية مسؤولة عن 43.5% من التنوّع في أقنية الولادة داخل المجموعات البشرية، كما يقول الفريق. إن النتائج ليست فقط مجرد تذكير واضح لكيف أن اعتناق التنوّع يفيد الفهم العلمي ككل، ولكنه مثال جيد كيف أن العلم -مثل الأجسام نفسها- لا يمكن دائمًا حشره في فئات منتظمة أُسِسَت مسبقًا.
وقالت عالمة الأنثروبولوجيا هيلين كوركي (Helen Kurki) من جامعة فيكتوريا في كندا لمجلة العالم The Scientist، وهي لم تشارك فى البحث: «إن هذا التوضيح للتغير الكبير مهم لأنه يتحدى المفاهيم الشائعة بأن لقناة الحوض عند الإناث شكلًا “أمثل” واحدًا بالتحديد». «ليس كل شيء في علم تشكّلنا (morphology) هو تكيّفٌ مع شيء ما في بيئتنا. غالبًا ما تكون هذه العمليات المحايدة هي اللاعبة بالأمر».
أُبلغ عن هذه النتائج في وقائع الجمعية الملكية Proceedings of the Royal Society B.
اقرأ أيضًا:
هذه الميزات الغريبة “عديمة الجدوى” من التطور هي في الواقع دليل على حدوثه
المصدر: sciencealert