هذه الميزات الغريبة “عديمة الجدوى” من التطور هي في الواقع دليل على حدوثه
التطور مجال رائع ولكنه مليء بسوء الفهم. إحدى الأفكار الخاطئة هي أن التطور له اتجاه أساسي أو غاية ما. في حقيقة الأمر، التطور ظاهرة طائشة، عديمة الخطة، تحركها احتمالات غير محدودة من خلال الطفرات الجينية ، والأكثر نجاحًا منها هي التي تبقى.
غالبًا ما يعتقد الناس أن كل جزء من كل الكائنات الحية له وظيفة، مساعِدًا الكائن في النجاة بطريقة أو بأخرى. ولكن هنالك بعض المجالات في البيولوجيا التطورية تكون فيها الفوائد مجهولة، وفي بعض الحالات، يبدو أن بعض الصفات ليس لها معنىً بالمرة. هذا هو مجال الانتخاب الجنسي ، الصفات اللاوظيفية وعروة العقد .
حتى فيما يخص فكرة أهمية البقاء للأصلح بالنسبة للتطور، توجد هنالك بعض الأمثلة التي تقوض هذه الفكرة. في حقيقة الأمر، تبدو العديد من مجالات البيولوجيا التطورية حدسية ومن الممكن حتى اعتبارها سببًا لرفض التطور كله. في الواقع، تُقوّي هذه الأمور فهمنا بدلًا من إضعافه، وهذا هو السبب.
الانتخاب الجنسي
تستثمر العديد من الأنواع الكثير في التمويه والطرق الأخرى في الاندماج في محيطها لغرض تجنب الحيوانات المفترسة. لذا فإن الريش المتباهي الواضح لطيور الجنة، والطاووس والعديد من الطيور الأخرى يبدو كأنه دعوة صريحة للأكل. ولكن يساعد هذا الريش الطيور في نقل جيناتها لأنها تزيد من فرصها في الحصول على زوج. هذا هو ما نعنيه بالانتخاب الجنسي بأفضل حالاته.
يقوي الانتخاب الجنسي نظرية التطور حول ما يستطيع الأفراد الضعيفون القيام به في وجه التنوع. يعادل هذا الأمر تطوريًا استخدام حساب مليءٍ بالثقة في مواقع التعارف لإعجاب الأزواج المحتملين.
السمات غير الوظيفية
عندما يظهر عضو تشريحي غير ملائم، فهو على الأغلب سمة غير وظيفية. وهي سمة لا تقوم بما يجعلها مفيدة لتتطور في المقام الأول. إذا ما استطعنا تجسيم التطور على أنه شخص، فسيكون هذا الشخص مبدعًا إلا أنه كسول. إذا كان شيء ما لا يُستَخدم فلماذا أحتفظ به؟ من الصعب القول لماذا لم يختفِ حتى الآن ولكن أعطه مليون سنة آخرى وقد يختفي بالفعل.
بعض الأفاعي، على سبيل المثال، لا تزال تملك بعض السمات التي تعود إلى سلفها رباعي الأرجل. يملك ذكر البايثون أجزاءً مشابهة للمخالب بالقرب من الذيل، على الرغم من أنها مفيدة في المغازلة، إلا أنها بقايا الأرجل الخلفية لسلفها.
بعض أسماك الكهف، على مدى أجيال، خسرت معظم مكونات أعينها لأن النظر يستهلك طاقة كبيرة دون أن يكون له فائدة لأنها تعيش في ظلام تام. العديد من الطيور التي لا تطير – مثل البطريق – تملك أجنحة صغيرة للغاية إذ أنها تعتبر زائدة وليست ذات فائدة فيما يخص الطيران. الزائدة الدودية هي مثال جيد على السمات غير الوظيفية (إلا أنه هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أنها ليست غير مفيدة بالمرة). ولكن هنالك مثال أغرب، الثنية الهلالية.
في المرة القادمة التي تنظر فيها إلى عيون من تحب (سيكون من الغريب القيام بهذا الأمر مع شخص غريب على الحافلة)، انظر إلى الجزء المثلث الوردي الموجود داخل كل عين. هذا الجزء ليس غير وظيفي بصورة كاملة، إذ أنه يساعد على ضمان نزول الدموع بصورة صحيحة ويعطي مجالًا أكبر لحركة العين، ولكن هذه ليست وظيفته الأساسية. قبل زمن بعيد – عندما اشتركنا بسلف قريب مع الطيور والزواحف الأخرى – شكلت هذه الثنية جفنًا ثالثًا، لتوفير حماية إضافية لأعيننا. لذا، على الرغم من أننا فقدنا الجفن الثالث هذا، إلا أن التطور قد جعل لها فوائد أخرى.
السمات الظاهرية الثانوية – Spandrels
تأتي الكلمة Spandrels من المصطلح المعماري للمساحات المثلثة ما بين الأقواس في البنايات القديمة، والتي استُغِلّت لزخرفة البناء في أغلب الأحيان، لكن هذه الزخارف عَرَضية للفائدة الحقيقة لهيكل البناء. في البيولوجيا التطورية، هي جسم مادي أو صفة سلوكية متكونة بصورة ثانوية من تكيف وظيفي آخر. ولكن على الرغم من الأمثلة الواضحة، إلا أنه يصعب العثور على صفات منها تُعتبر غير مفيدة ضمن البيولوجيا التطورية.
إحدى الأمثلة التي دُرِسَت بصورة دقيقة هي سحلية الحائط الإيطالية (podarcis sicula) التي تسكن في الجزر. تقضي هذه السحلية وقتًا أقصر تحت الشمس مقارنة بالتي تعيش على اليابسة. يعتبر هذا السلوك ثانويًا لعدم وجود أي فائدة له.
يعتقد العلماء أن هذا السلوك هو منتج ثانوي من تطور مستويات العدائية والنشاط الجنسي واستيعاب الطعام. أدى هذا الأمر إلى زيادة فعالية المستقبلات الميلانوكورتينية، وهو جزء من النظام الهرموني الذي يعمل بالاستجابة إلى ضوء الشمس، ولهذا السبب لا تحتاج السحالي إلى التشمس لفترات طويلة.
إحدى الاستثناءات الحقيقية هو شيء يميز نوعنا كإنسان حديث: الذقن. لا يمتلك أي حيوان آخر، أو حتى أقارب الإنسان المنقرضين – مثل النياندرتال – الذقن. بتغير النظام الغذائي للبشر، أصبحت العظام والعضلات في فكوكنا أصغر، لذا نحن لم نبدّد طاقة عليها ولكن ما بقي لدينا هو عظم بارز أسفل الوجه، ولم يُفسّر أحد سبب ذلك البروز بشكلٍ مقنع.
هنالك دائمًا سبب -أو على الأقل تفسير- للسمات الكثيرة التي نراها في البيولوجيا. يمهد الفهم الجيد للغموض الموجود في البيولوجيا التطورية الطريق لفهم العوامل المعقدة التي تؤثر على العالم من حولنا.
اقرأ أيضًا:
اكتشاف ثلاثة أنواع لنفس الطائر في ظاهرة لم يشهدها العلماء من قبل