ألقى باحثون نظرة عن قرب حول تأثير سلوك الكائنات في الحياة البرية على التطور. وفي دراسة عُرضت الأسبوع الماضي في علم الجينوم في نيويورك، أخبر العلماء ببعض الرؤى المثيرة للاهتمام بشأن تغير الحمض النووي DNA لإثنى عشر جيلاً في طائر( قيق الآجام الفلوريدي-Aphelocoma coerulescens)، وبفضل التقدم القوي في تحديد ترتيب تسلسل النيوكليوتيدات في الحمض النووي وأيضًا مجموعة بيانات من 45 عامًا، تم اكتشاف كيف أنّ بيئة هذا الطائر تُفضّل تغيرات صغيرة في الجينوم ( الجينوم هو مجمل المادة الوراثية في كل كائن حي).
قد تساعد هذه النتائج على الحفاظ على هذا الكائن وعلى أنواعٍ أخرى مهددة بالانقراض في المستقبل.
قال عالم الوراثة التطوريّة في مركز الجينوم في نيويورك (جوزيف بيكريل -Joseph Pickerel ) : «يُمكنك القيام بمثل هذه النوعية من الدراسات على هذا الكائن وغيره من الحيوانات التي تُعتبر كائنات غير مخبرية، وبالنتيجة يمكنك معالجة بعض المسائل التطورية والبيئية طويلة الأمد».
طائر قيق الآجام الفلوريدي، هو كائن مهدد بالانقراض، أزرق اللون، طوله 20 سنتيمتر، جذب اهتمام علماء الأحياء لأول مرة منذ حوالي 50 عام، لأنّ صغار هذا الطائر غالبًا تبقى في محيط العش لمساعدة آبائها في تربية الأجيال التالية من النسل، وهو نظام تربية نادر بين الفقاريات.
وهي تميل لأن تكون بيتوتية، حيث أنّها جيل بعد جيل نادرًا ما تبتعد 10 كيلومتر عن أعشاش أسلافها، ولذا تَمكّن باحثون من محطة آرشبولد البيولوجية في فينوس في ولاية فلوريدا، من بناء شجرة عائلة مفصلة لهذا الطائر تمتد لاثنى عشر جيل، وعلى مدى السنوات 45 الماضية، احتفظوا بسجلات تتضمن بيانات عن مدة الحياة، وعدد البيض، والنسل الناتج سنويًا، وصفاتٍ أخرى تخص هذا الكائن، كما أنّهم أخذوا أيضًا عينات دم من كل عضو من المجموعة على مدى السنوات 25 الماضية.
بدأت نانسي تشن وهي طالبة دراسات عُليا، وزميلة علم الوراثة السكانية الآن في جامعة كاليفورنيا، بتحديد تسلسل النيوكليوتيدات في كل المادة الوراثية لطائر قيق مرجعي، ومن ثَمّ قامت بتقييم الاختلافات الوراثية ل 3800 طائر بشكل فردي، ودرست 15,000موقع للجينات على الجينوم، ووجدت أنّ الغالبية العظمى من التغيرات تبدو أنّها محايدة تطوريًا ( تطور لا تكيفي )، ولكن هناك 67 موقع يحتوى على متغيرات جينية تم تفضيلها على متغيرات أخرى ( تطور تكيفي)، ومن المحتمل أن هذا يمنحها البقاء على قيد الحياة، وميزة الانجابية والتكاثر.
وفي تحليل لاحق، حاولت نانسي تشن وزملاؤها في جامعة كورنيل تحديد في أي وقت من حياة هذا الطائر منحته هذه المتغيرات تحسينات، و وجدوا 21 من المتغيرات والتي يبدو أنها ساعدت إناث هذا الطائر على العيش من 11إلى 90 يوم بعكس تلك التي لا تمتلك هذه المتغيرات لم تعش طويلًا. وفي الحيوانات المنوية كانت هناك أربعة تغيرات في الحمض النووي DNA والتي أثرت على عمليات التخصيب الناجحة، كما وجد الفريق بعض المتغيرات والتي انتقلت إلى الجيل التالي أكثر من غيرها.
عند هذه النقطة، لم تعرف نانسي تشن كيف يمكن لهذه الاختلافات في DNA أن تؤثر على بقاء هذا الطائر على قيد الحياة، ولكن ما اكتشفته الدراسات هو أنّ هناك متغيرات جينية يتم انتقاؤها وتفضيلها عن غيرها في بعض الفترات خلال دورة الحياة.
وتساءل علماء الأحياء التطورية طويلًا، لماذا يتم الاحتفاظ بالتغير الجيني عندما يكون المتغير أفضل لكل جين؟ الآن لديهم جواب لهذا، وهو أنه قد يكون هذا البديل أو المتغير مفيد لجزء معين من دورة الحياة بينما المتغير الآخر قد يكون مفيد في جزء آخر.
عمومًا، الحفاظ على التنوع الجيني قد يساعد الأنواع الحية على البقاء في ظل التغيرات الحاصلة في بيئتهم.
ترى نانسي تشن وآخرون أنّ هذا الطائر مثال يوضح قدرة تطبيق علم الجينوم على الدراسات الميدانية طويلة الأمد. وبالنسبة لمثل هذه الأنواع من الكائنات كطائر قيق الآجام بمجرد أن يعرف الأشخاص العاملون والمتطوعون في الحفاظ على الحياة البرية والبيئة ما الجينات المفضلة ومتى تعمل على أفضل وجه، بإمكانهم عمل تزاوجات ناجحة بين هذه الكائنات المهددة بالانقراض.
المصدر: sciencemag
اقرأ أيضًا: الإنزيم الذي يفسر أصل الحياة الآن في أنبوبة اختبار