تقترح دراسة مثيرة للجدل أنه خلال تطور الثدييات الرئيسية تطورت لديهم قدرة على الاستدعاء الذاتي (أو العودية). قد تكون للقدرة على ربط الأشياء المختلفة ذهنيًا التي غالبًا ما اعتُقد أنها أساس اللغة البشرية جذور عميقة خلال تطور الرئيسيات.
الاستدعاء الذاتي، أو العودية: هو عملية تكرار الشيء بطريقة مشابهة ذاتيًا.
أظهرت السعادين في تجربة مختبرية قدرة مشابهة على تضمين عبارات وسط عبارات أخرى. يعدّ الكثير من العلماء أن هذه المهارة التي تُعرف بالعودية أساسَ القواعد اللغوية فتكون بذلك مميزة للبشر فقط.
يقول ستيفن فيريغنو وهو عالم نفس من جامعة هارفارد: «تظهر هذه الدراسة أن القدرة على تمثيل تسلسلات استدعاء ذاتي موجودة في الحيوانات أيضًا على الرغم من عدم قدرتها على تعلم أي لغة».
يمنحنا الاستدعاء الذاتي القدرة على التعبير عن عبارات مثل «إن الجائحة أمر مريع» بطريقة أكثر تعقيدًا وترابطًا مثل «إن هذه الجائحة التي عطلت الكثير من الأشخاص عن عملهم أمر مريع، ناهيك عن آثارها الصحية».
اختبر فيريغنو وزملاؤه الاستدعاء الذاتي لدى كل من البشر والسعادين. تعرّف عشرة بالغين من أمريكا على الرموز المتتالية في اختبار غير شفوي وبسرعة طبقوا معرفتهم الجديدة لإنشاء تراتيب جديدة. كذلك تمكن نحو خمسين طفلًا في عمر ما قبل دخول المدرسة و37 شخصًا بالغًا من قرية في بوليفيا لم يسبق لهم دراسة الرياضيات أو حتى دخول المدرسة، من التعرف على الرموز لكن بكفاءة أقل من المجموعة الأولى لكنها ما زالت واضحة لديهم. تنص هذه النتائج على أن القدرة على الاستدعاء الذاتي تظهر في مرحلة مبكرة في الحياة ولا تحتاج إلى معرفة أو تعليم مسبقين.
صَعُب على ثلاثة قردة من نوع مكاك الريسوسي أداء الاختبار بسهولة كما فعل البشر لكن بعد التدريب المكثف تمكن قردان من فهم الاستدعاء الذاتي. إذ تمكن أحد هذين القردين من تشكيل ترتيب استدعاء ذاتي أفضل من ثلاثة أرباع الأطفال في عمر ما قبل دخول المدرسة ونصف القرويين من بوليفيا.
يقول فيريغنو «إن صعوبة تعلم السعادين ترتيب الاستدعاء الذاتي مقارنة بالبشر يعني أن الاستدعاء الذاتي هو قدرة تطورية قديمة للغاية وقد تكون النموذج التطوري لتعلم القواعد اللغوية عند البشر».
يقول فيريغنو إنه على خلاف الدراسات السابقة على القردة والطيور التي كان يصعب علينا منها إدراك أن تعلم الترتيب قد يحتاج إلى معرفة سابقة بالاستدعاء الذاتي، أوجدت الدراسة الجديدة أننا نملك نوعًا من الاستدعاء الذاتي يمكّننا من فهم جمل مثل «هربت القطة التي كان الكلب يلاحقها». في هذه الجملة تتطابق كلمتا (القطة) و(الكلب) مع (هربت) و(يلاحقها) ويمكن فهم جمل أخرى داخل هذه الجملة وهي (كان الكلب يلاحقها) و(هربت القطة).
تمرن المشاركون في الدراسة على ترتيب مجموعتين من الرموز بأنماط استدعاء ذاتي. تكونت كل مجموعة من أربعة أقواس-مثل {} []- تظهر الأقواس على شاشة الحاسوب أو على البطاقات عشوائيًا، وهدف المشاركين هو لمس الأقواس الأربعة بالترتيب وأن يكون زوج من الأقواس في داخل الزوج الآخر مثلًا {[]}. مُنح كل من البشر والسعادين مكافأة عند ترتيبهم الأقواس بترتيب استدعاء ذاتي.
ثم اختبر الباحثون كون البشر أو السعادين سيرتبون مجموعة جديدة من الأقواس مثل () <> ترتيب استدعاء ذاتي مثل <()> دون تدريب مسبق.
اندهش الباحثون من النتائج ولكن لم يقتنعوا تمامًا من أن المشاركين قد احتاجوا إلى فهم مسبق للاستدعاء الذاتي لتعلم ترتيب الأقواس بهذا الترتيب.
يقول عالما المعرفة كلوديا مانيل وإيميليانو زاكاريلا من معهد ماكس بلانك لعلوم الدماغ والمعرفة البشرية في ألمانيا إن ترتيب أزواج من أقواس داخلية وخارجية تعد رموزًا اعتباطية على خلاف عبارات الاستدعاء الذاتي في اللغات التي لها معنى عند ربطها ببعضها.
قد يكون المشاركون قد رتبوا الأقواس دون تفكير بالاستدعاء الذاتي. ويقول العالمان إنه لربما رتب المشاركون الأقواس بهذا الترتيب لتكون متنظرة أو للمتعة البصرية عند رؤيتها مرتبة بهذا الشكل وهو ما يشابه ترتيبهم في تجارب سابقة.
بينما يقول العالم ستانيسلاس ديهين من جامعة فرنسا في باريس إن المشاركين قد اختاروا الترتيب الجديد للأقواس لأنهم تذكروا ترتيبًا قد تمرنوا عليه مسبقًا. فمثلًا قد يتذكر أحد المشاركين الترتيب التالي: أولًا يأتي { ثم ( ثم ) ثم }. وعندما يُسألون عن ترتيب جديد للأقواس () [] فإنهم سيختارون القوس الأقرب للترتيب السابق قوسًا أول وهو في هذه الحالة (. لهذا فإن الترتيب اعتمادا على ذاكرتهم سيكون باختيار الزوج المختلف [] في الوسط و) في النهاية.
يرى ديهين أن السعادين -التي لا تستطيع التعامل مع عدة معلومات في وقت واحد كما يفعل البشر عامةً- ستواجه تحديًا عند محاولة تذكر ترتيب الأقواس وهذا يتماشى مع أداء السعادين السيئ في هذه التجربة.
وفي النهاية، يتفق الجميع على شيء واحد؛ إن محاولة فهم ما يجعل لغة البشر مميزة إلى هذه الدرجة ما يزال يمثل معضلة علمية.
في تجربة استدعاء ذاتي، تمرن أطفال وبالغون أمريكيون وقرويون بوليفيون وسعادين على ترتيب رموز على شاشة حاسوب ثم على بطاقات بترتيب معين ثم أُظهر لهم مجاميع جديدة من الرموز. نجح كل من البشر والسعادين في الاختبار ما يقترح أن القدرة الأساسية على الترتيب التي توجد في القواعد اللغوية ظهرت لدى الرئيسيات منذ زمن بعيد.
المصدر: sciencenews
اقرأ أيضًا: