أدلة السلف المشترك – أدلة من الاصطفاء

غالبًا ما تظهر أدلة التطور من الملاحظة المباشرة للاصطفاء الطبيعي في الحقل والمختبر. يعتبر هذا القسم فريد من نوعه لأنه يوفر سياقًا محددا يتعلق بعملية الاختيار. ذكرت جميع الأمثلة المقدمة لهذا الدليل على أن التطور قد حدث بالفعل، لكنها لم تقدم الآلية الأساسية الرئيسية: وهي الانتقاء الطبيعي. يقدم هذا القسم صراحةً دليلًا على حدوث الانتقاء الطبيعي، وقد تم تمثيله في الابحاث، ويمكن تمثيله في تجارب مخبرية.

وثق العلماء العديد من الأحداث التي كان فيها الاصطفاء الطبيعي قيد التنفيذ. الأمثلة الأكثر شهرة هي مقاومة المضادات الحيوية في المجال الطبي إلى جانب التجارب المخبرية المعروفة التي توثق حدوث التطور.

يعتبر الانتقاء الطبيعي محاكاة للسلف المشترك على المدى الطويل ويمكن أن تؤدي ضغوط الاصطفاء إلى تنوع الحياة على الأرض كما هو موجود اليوم. جميع التكيفات (الموثقة وغير الموثقة) ناتجة عن الانتقاء الطبيعي بالإضافة لعدد قليل من العمليات الثانوية الأخرى. لقد ثبت أن «… الاصطفاء الطبيعي هو جزء اساسي في عملية الأنتواع »، وهو المحرك الرئيسي له، وبالتالي فإن الأمثلة التالية من الانتقاء الطبيعي والانتواع غالباً ما تعتمد على بعضها البعض أو تتوافق مع بعضها البعض. الأمثلة أدناه ليست سوى جزء صغير من التجارب والملاحظات الفعلية.

الاصطفاء الاصطناعي والتطور التجريبي

يوضح الاصطفاء الاصطناعي التنوع الذي يمكن أن يوجد بين الكائنات الحية التي تشترك في سلف حديث نسبياً. يتم في الاصطفاء الاصطناعي تهجين نوع واحد بشكل انتقائي في كل جيل مما يسمح بالتكاثر فقط للكائنات الحية التي تظهر الخصائص المرغوبة. تصبح هذه السمات متطورة بشكل جيد في الأجيال المتعاقبة. كان الاصطفاء الاصطناعي ناجحاً قبل أن يكتشف العلم الأساس الجيني بوقت طويل. تشمل الأمثلة على الانتقاء الاصطناعي تربية الكلاب والأغذية المعدلة وراثياً وتربية الزهور وزراعة الأطعمة مثل الملفوف البري وغيرها.

يستخدم التطور التجريبي التجارب لاختبار فرضيات ونظريات التطور. قام وليام دالينجر في أحد الأمثلة الأولى بإجراء تجربة قبل عام 1880، حيث عرّض الميكروبات للحرارة بهدف فرض تغييرات تكيفية. استمرت تجربته نحو سبع سنوات وكانت نتائجه موضع إشادة، لكنه لم يكمل التجربة بعد تعطل الأدوات.

يوجد مثال شامل للتطور التجريبي هو تجربة تطور الإشريكية القولونية طويلة الأمد للعالم ريتشارد لينسكي. لاحظ لينسكي أن بعض سلالات الاشريكيات القولونية طورت قدرة جديدة معقدة لاستقلاب حمض الليمون بعد عشرات الآلاف من الأجيال.

علق عالم الأحياء التطورية جيري كوين على ذلك بوصفه إبداع، وقال: «الشيء الذي يعجبني أكثر هو قول مؤيدو نظرية الخلق أنه يمكنك تطوير هذه الصفات المعقدة من خلال اجراء مجموعة من الأحداث العشوائية. وهذا ما لا يمكن أن يحدث». وبالإضافة إلى التغيرات الاستقلابية فقد تم اكتشاف تجمعات بكتيرية مختلفة قد اختلفت فيما يتعلق بكل من التشكل (الحجم الكلي للخلية) والصلاحية (التي تم قياسها بمقارنتها مع الأسلاف). لا تزال تجربة تطور الإشريكية القولونية طويلة الأمد التي بدأت في عام 1988 مستمرة، وقد أظهرت بعض التكيفات بما في ذلك تطور سلالة من الإشريكية القولونية كانت قادرة على النمو مع حمض الليمون في وسائط النمو، وهي سمة غائبة في جميع الأشكال الأخرى المعروفة للإشريكية القولونية بما في ذلك السلالة الأولية.

اللافقاريات

قدرة تحمل الرصاص لدى برغوث الماء

تنبأت دراسة أجريت على أنواع من برغوث الماء وتلوث الرصاص في القرن العشرين أن زيادة التلوث بالرصاص ستؤدي إلى اصطفاء قوي لسمات تحمل الرصاص. كان الباحثون قادرين على استخدام (علم الاحياء البيئي الإحيائي) لفقس بيض برغوث ماء حُفظت لعقود من الزمن عندما كانت البحيرات ملوثة بالرصاص بشكل كبير. وتمت مقارنة براغيث الماء الجديدة مع براغيث الماء الحالية مما أظهر: «فروقًا كبيرة في الصلاحية بين الأنماط القديمة والحديثة بسبب مواجهة ضغوط بيئية كبيرة واسعة النطاق».

لم تكن براغيث الماء المعاصرة قادرة على مقاومة أو تحمل مستويات عالية من الرصاص (وهذا بسبب الانخفاض الكبير في تلوث الرصاص في بحيرات القرن الحادي والعشرين). ومع ذلك فقد تمكنت براغيث الماء القديمة من تحمل نسب تلوث الرصاص المرتفع. واستنتج الباحثون أنه «تمكنا من خلال استخدام تقنيات (علم الأحياء البيئي الإحيائي) من إظهار تغيير واضح على مدى عقود».

العث المفلفل

مثال على الاصطفاء الطبيعي هو التغير الظاهري والتكيف اللوني من الفاتح للداكن في العثة المفلفلة، بسبب التلوث الناتج عن الثورة الصناعية في إنجلترا.

الجراثيم

مقاومة المضادات الحيوية

إن تطور وانتشار الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية هو دليل على عملية تطور الأنواع. وبالتالي فإن ظهور المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للفانكومايسين والخطر التي تشكله على المرضى هو نتيجة مباشرة للتطور من خلال الاصطفاء الطبيعي. يوضح ظهور سلالات شيغيلا المقاومة لفئة المضادات الحيوية الاصطناعية من السلفوناميدات أيضًا ظهور أجيال جديدة كعملية تطورية. وبالمثل فإن ظهور مقاومة مركب (ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان) في أشكال مختلفة من حشرات بعوض الأنوفيل وظهور ميزات مقاومة مرض الرام المخاطي في مجموعات الأرانب في أستراليا هي دلائل على حدوث تطور بسبب ضغط الاصطفاء التطوري في الأنواع التي تتجدد فيها الأجيال بسرعة.

تطور جميع فئات الجراثيم مقاومتها: بما في ذلك الفطريات (مقاومة المضادات الفطرية)، والفيروسات (مقاومة مضادات الفيروسات)، والكائنات الأولية (مقاومة مضادات الأوالي)، والجراثيم (مقاومة المضادات الحيوية). وهذا أمر متوقع عند النظر إلى أن كل أشكال الحياة تملك رمزًا جينيًا وبالتالي فهي تخضع لعملية التطور ضمن آلياتها المختلفة.

البكتريا الآكلة للنايلون

مثال آخر للكائنات الحية التي تتكيف مع الظروف الناتجة عن ممارسات الإنسان هي البكتريا الآكلة للنايلون: هي سلالة من الجراثيم الصّيفريّة قادرة على هضم بعض المنتجات الثانوية لتصنيع النايلون 6. هناك إجماع علمي على أنّ القدرة على أكل النايلون قد تطورت على الأرجح كطفرة بخطوة واحدة واستقرت لأنها حسنت من صلاحية البكتيريا التي امتلكت هذه الطفرة. يعتبر ذلك مثالًا جيدًا للتطور من خلال التطفّر والاصطفاء الطبيعي الذي لوحظ عند حدوثه ومن غير الممكن له أن يتحقق حتى تم إنتاج النايلون من قبل البشر.

النباتات والفطريات

تشعب ازهاد القرد

كلا النوعين الفرعيين ذات الازهار الحمراء والصفراء لأزهار القرد معزولان بسبب تفضيلات طيور الطنانة وعثث أبو الهول الملقحة لهذه الازهار. معظم أنواع سلالات ازهار القرد ذات لون أصفر. ومع ذلك يوجد نوعين من الازهار الحمراء. يقترح التحليل الوراثي وجود أصلين مستقلين من الزهور ذات اللون الأحمر التي نشأت بسبب الطفرات في جين (MaMyb2) الموجود في جميع أنواع أزهار القرد.

أشارت الأبحاث إلى أن عدم حدوث طفرتين مستقلتين، ولكن تم نقل أليل (MaMyb2) واحد عن طريق عملية التهجين.  تقدم هذه الدراسة مثالاً على تداخل البحوث في مختلف التخصصات. إنَّ انعزال الجينات والوظائف التنظيمية المتوافقة في الحمض النووي وتحليل شجرة تطور السلالات والموقع الجغرافي وتفضيل الكائنات المُلقحة وتهجين الأنواع والانتواع ليست سوى بعض المجالات التي يمكن الحصول على البيانات منها لتوثيق حدوث التطور.

=التغذية الاشعاعية للفطريات

يمكن للتلوث الناجم عن الإنسان أن يأتي بأشكال مختلفة. تعتبر التغذية الإشعاعية للفطريات مثالًا على الانتقاء الطبيعي الذي يحدث بعد حدوث تغير كيميائي. يبدو أن التغذية الاشعاعية للفطريات تستخدم اصبغة الميلانين لتحويل إشعاع جاما إلى طاقة كيميائية للنمو واكتُشف لأول مرة في عام 2007 مع نمو العفن الاسود داخل وفي محيط محطة الطاقة النووية في تشيرنوبيل. أظهرت الأبحاث في كلية ألبرت أينشتاين للطب أن ثلاثة فطريات تحتوي على الميلانين هي (الفطريات المبغثرة) و (فانجيلا الملهبة للجلد) و (مستخفية مورمة) قد زادت كتلتها الحيوية وراكمت الأسيتات (الخلات) بشكل أسرع في بيئة كان فيها مستوى الإشعاع أكبر بـ 500 ضعف من مستوى الإشعاع في البيئة الطبيعية.

الفقاريات

أسماك الجوبي

لاحظ عالم الأحياء جون إندلر أثناء دراسة أسماك الجوبي في جزيرة ترينيداد حدوث الاصطفاء ضمن مجموعات الأسماك. ومن اجل استبعاد الاحتمالات البديلة للاصطفاء أنشأ إندلر تجربة تحكّم بها بدقة لمحاكاة البيئات الطبيعية من خلال بناء عشرة أحواض مخبرية بجامعة برينستون. يحتوي كل حوض على حصى لتماثل تمامًا البيئات الطبيعية. بعد التقاط عينة عشوائية من أسماك الجوبي من الأحواض في ترينيداد، قام بتربيتها وخلطها لإنشاء تجمعات متنوعة وراثيا متماثلة فيما بينها، وقام بملاحظة كل سمكة (طول وارتفاع ومساحة البقعة، طول البقعة النسبي، ارتفاع البقعة النسبي، مساحة البقعة الكلية، وأطوال الجسد القياسية). أضاف العالم للتجربة اسماك (البلطي الرمحية) التي تعتبر المفترس الرئيسي لأسماك الجوبي في أربعة أحواض، وأضاف أسماك الريفولوس غير المفترسة في أربعة أحواض أخرى، وترك البركتين الباقيتين تحتويان فقط أسماك الجوبي. أجرى مقارنات بعد 10 أجيال بين أسماك الجوبي في كل بركة وأخذ القياسات مرة أخرى. وجد إندلر أن الأسماك قد طورت أنماط ألوان مختلفة اختلافًا جذريًا في الاحواض التي حوت أسماك الجوبي فقط أو الأسماك غير المفترسة وأنماط ألوان باهتة في أحواض الأسماك المفترسة. تسبب ضغط الافتراس في حدوث الاصطفاء لتتناسب مع الحصى في بيئتها.

أجرى إندلر في موازاة التجربة السابقة تجربة ميدانية في ترينيداد حيث اخذ أسماك الجوبي من الأحواض التي تحوي اسماك مفترسة ونقلهم إلى أحواض أخرى أعلى حيث لا يوجد اسماك مفترسة. وجد اندلر بعد 15 جيلًا أن أسماك الجوبي المنقولة قد طورت أنماطًا مثيرة وملونة. أظهرت كلتا التجربتين تقاربا جوهريا بسبب ضغوط الاصطفاء المتماثلة (أي اختيار الأسماك التي تعرضت للافتراس لأنماط الألوان تتناسب مع بيئتها والانتقاء الجنسي لأنماط الألوان الاخرى في حال عدم تعرضها للافتراس).

أجرى ديفيد ريزنيك دراسة لاحقة تم خلالها فحص الاسماك في بيئتها الاصلية بعد 11 عامًا منذ نقل إيندلر أسماك الجوبي إلى احواض عالية لا تحوي مفترسين. وجدت الدراسة أن الأسماك قد تطورت بعدد من الطرق المختلفة مثل: أنماط الألوان الزاهية، والنضج المتأخر، والأحجام الكبيرة، وصغر حجم الأسماك حديثة الولادة، وعدد نسل أكبر. أشارت دراسات أخرى على أسماك الجوبي والحيوانات المفترسة في مياه ترينيداد إلى أن أنماط الاصطفاء المختلفة من خلال الافتراس لم تغير أنماط وأحجام وسلوكيات أسماك الجوبي فحسب ولكنها غيرت تواريخ حياتها وأنماط هذه الحياة.

البشر

لوحظ الاصطفاء الطبيعي في المجموعات البشرية المعاصرة، حيث أظهرت النتائج الحديثة أن السكان المعرضين لخطر الإصابة بمرض كورو الخطير يملكون تمثيل مفرط لمتغير مناعي لجين البروتين (G127V) على حساب الأليلات غير المناعية. يفترض العلماء أن أحد أسباب الاختيار السريع لهذا المتغير الجيني هو خطر الموت من جراء المرض لدى الأشخاص الذين لا يتمتعون بالمناعة. تشمل الاتجاهات التطورية الأخرى المكتشفة في السكان إطالة فترة التكاثر، وانخفاض مستويات الكوليسترول ونسبة الجلوكوز في الدم وضغط الدم.

ومن الأمثلة المعروفة عن الاصطفاء في المجموعات البشرية هو عدم تحمل اللاكتوز. عدم تحمل اللاكتوز هو عدم القدرة على استقلاب اللاكتوز بسبب نقص انزيم اللاكتاز وهو الإنزيم المطلوب لهذه العملية في الجهاز الهضمي.

الحالة الطبيعية للثدييات هي أن يعاني الصغار من انخفاض إنتاج اللاكتاز في نهاية فترة الفطام (وهي فترة زمنية محددة لكل نوع).

بالنسبة البشر الذين يعيشون ضمن مجتمعات لا تستهلك الألبان ينخفض عادة إنتاج اللاكتاز نحو 90٪ خلال السنوات الأربع الأولى من الحياة، وتختلف قيمة الانخفاض الدقيقة مع مرور الوقت على نطاق واسع. يرتبط استمرار نشاط افراز اللاكتاز لدى البالغين بتعدد الأشكال: (C / T 13910) و (G / A 22018) الموجودة في جين (MCM6).

يزيل هذا الاختلاف الجيني التوقف في إنتاج اللاكتاز مما يتيح لأفراد هذه المجموعات الاستمرار في استهلاك الحليب الخام ومنتجات الألبان الطازجة والمُخمرة طوال حياتهم دون مواجهة صعوبة هضمها. يبدو ذلك تكيف حديث تطوريًا لاستهلاك الألبان (منذ نحو 10000 عام، وقبل 7500 عام في أوروبا) وحدث بشكل مستقل في كل من شمال أوروبا وشرق إفريقيا في السكان الذين لديهم نمط غذائي يعتمد على الألبان تاريخيًا.

سحالي الجدار الإيطالية

تم نقل عشرة عينات بالغة من سحالي الجدار الايطالية في عام 1971 من جزيرة بود كوبيست الكرواتية إلى جزيرة بود ميركارو (تبعد عنها نحو 3.5 كم إلى الشرق). تقع كلتا الجزيرتنن في البحر الأدرياتيكي بالقرب من لاستوفو حيث أنشأت السحالي عددًا جديدًا من الافراد بعد ظاهرة عنق الزجاجة. تتمتع الجزيرتان بنفس الحجم والارتفاع والمناخ المصغر وغياب عام للحيوانات المفترسة على الأرض وعاشت السحالي لعقود دون تدخل بشري، حتى دون تدخل سحالي الجدار الدلماسية (أصبحوا حاليا منقرضين عن تلك الجزيرة).

عاد العلماء إلى بود ميركارو في التسعينيات ووجدوا أن السحالي هناك تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك الموجودة في بود كوبيست. بينما أثبتت تحليلات الحمض النووي للميتوكوندريا أن سحالي الجدران الإيطالية الموجودة حاليًا على ميركارو تتشابه بشكل كبير من الناحية الوراثية مع الافراد الاصليين من بود كوبيست، كان لدى مجموعة سحالي بود ميركارو الجديدة متوسط حجم أكبر وأطراف خلفية أقصر وكانت سرعتها القصوى أقل واختلفت استجابتها للهجمات المفترسة مقارنة بالسحالي الأصلية في بود كوبيست. تُعزى هذه التغييرات إلى قلة أحداث الافتراس وزيادة الحماية من الغطاء النباتي في بود ميركارو.

كشفت المزيد من الدراسات التحليلية في عام 2008 أن سحالي جزيرة ميركارو اختلفوا بشكل كبير في شكل الرأس (أطول وأوسع) وقوة عض أكبر مقارنةً بسحالي كوبيست الأصلية. يتوافق هذا التغيير في شكل الرأس مع تغير في النظام الغذائي: تتغذى سحالي جزيرة كوبيست بشكل رئيسي على الحشرات، ولكن تتغذى السحالي الموجودة على ميركارو بشكل كبير على النباتات. قد تكون التغييرات في أسلوب البحث عن الطعام قد ساهمت في زيادة عدد الأفراد وانخفاض سلوك السيطرة على الاراضي لدى سحالي جزيرة ميركارو.

عثر على اختلاف آخر بين مجموعتي السحالي: هو اكتشاف وجود صمام لفائفي أعوري في سحالي ميركارو والتي تبطئ عملية مرور الغذاء وتوفر غرف تخمير، مما يسمح للكائنات الحية المجهرية المتعايشة معها بتحويل السليلوز إلى مغذيات قابلة للهضم بواسطة السحالي. واكتشف الباحثون بالإضافة إلى ذلك أن الديدان الاسطوانة كانت شائعة في أحشاء سحالي ميركارو، لكنها غير موجودة في سحالي كوبيست والتي لا تملك على صمام لفائفي أعوري. وصف الصمام اللفائفي الأعوري الموجود في أقل من 1% من جميع الأنواع المعروفة من الزواحف بأنه «حدث تكيفي، ميزة جديدة غير موجودة في الأجداد وتطورت حديثًا في هذه السحالي».

مقاومة مركبات الهيدروكربون العطري متعدد الحلقات لدى أسماك القوعاء

أجريت دراسة مماثلة فيما يتعلق بالهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs) التي تلوث مياه نهر إليزابيث في بورتسموث في فرجينيا. تنتج هذه المادة الكيميائية عن الكريوزوت (نوع من القطران). طورت اسماك القوعاء الأطلسية مقاومة لمركبات الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات من خلال جين AHR (نفس الجين الموجود في أسماك تومكودس وهي نوع من أسماك القد). وركزت هذه الدراسة على مقاومة السمية الحادة وتشويه القلب الناجم عن تلك المادة.

مقاومة ثنائي الفينيل متعدد الكلور لدى سمك القد

من الأمثلة على الملاحظة المباشرة لتغير الجينات بسبب ضغوط الانتقاء مقاومة مركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور لدى سمك القد. بعد أن طرحت شركة جنرال إلكتريك مركب ثنائي الفينيل متعدد الكلور (PCBs) في نهر هدسون بين عامي 1947 و 1976، استنتجوا ان سمك القد الذين يعيش في النهر قد طور مقاومة متزايدة لآثار المركب السامة.

سبب التأقلم مع السموم هو تغيير في ترميز جين معين. تم أخذ عينات جينية من أسماك القد من ثمانية أنهار مختلفة في منطقة نيو إنجلاند هي: نهر سانت لورانس ونهر ميراميتشي ونهر مارغري ونهر سكوامسكوت ونهر نيانتيك ونهر شينيكوك بيسك ونهر هدسونك ونهر هاكينساك. وجد التحليل الوراثي أن جين AHR2 الموجود في مجموعات أسماك القد في الأنهار الأربعة الواقعة في أقصى الجنوب كان يوجد كأليل مختلف حيث حذف منه حمضين امينيين.

منح هذا الحذف ميزة مقاومة مركب ثنائي الفينيل متعدد الكلور في أنواع الأسماك، ووجد في 99٪ من سمك التومكودس من نهر هدسون، 92٪ في نهر هاكنساك، 6٪ في نهر نيانتيك، و 5٪ في خليج شينيكوك. يمثل هذا التغير في الأسماك المأخوذة من عينات المياه ارتباطًا مباشرًا بالضغوط الانتقائية التي أدت إلى تطور مقاومة ثنائي الفينيل متعدد الكلور في أسماك التومكود (القد) الأطلسية.

الكائنات البرية في المدن

يعتبر وجود أشكال الحياة البرية في المدن حالة واسعة يمكن ملاحظتها بسهولة بسبب ضغط الانتقاء الناتج عن الإنسان ضد الحياة البرية. تكيفت حيوانات مختلفة بسبب نمو المناطق البشرية من أجل البقاء داخل هذه البيئات الحضرية. يمكن لهذه الأنواع من البيئات ممارسة ضغوط الانتقاء على الكائنات الحية، وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى تكيفات جديدة.

على سبيل المثال يحتوي نبات السراغة الموجود في فرنسا نوعين من البذور: ثقيلة وخفيفة. تسقط البذور الثقيلة بالقرب من النبات الأم في حين تطير البذور الخفيفة مع الريح. غالبًا ما تقع البذور الخفيفة التي تطير مع الريح في البيئات الحضرية على الخرسانة.

لذلك تطورت هذه النباتات خلال نحو 5-12 جيلا لإنتاج بذور أثقل بكثير من مثيلاتها في المناطق الريفية. ومن الأمثلة الأخرى على تكيف الحياة البرية في المناطق الحضرية الحمام الجبلي وأنواع الغربان التي تتكيف مع بيئات المدن في جميع أنحاء العالم، وطيور البطريق الأفريقية في بلدة سيمون، حيوانات الرباح في جنوب أفريقيا.

ومجموعة متنوعة من الحشرات التي تعيش في المناطق البشرية. وجدت بعض الدراسات تغييرات مذهلة في سلوك الحيوانات (وتحديداً الثدييات) وحجم الدماغ الجسدي بسبب تفاعلها مع البيئات التي بناها الإنسان.

سحالي الرمال البيضاء

تساعد الحيوانات التي تظهر تغيرات في البيئية الاجتماعية بإجراء البحوث المتعلقة بالآليات التي تحافظ من خلالها على تميز الأفراد. تم الحصول على ثروة من المعلومات حول الاصطفاء الطبيعي والتنوع الوراثي والظواهر الوراثية والتكيف والتشكل البيئي والإشارات الاجتماعية من الدراسات التي أجريت على ثلاثة أنواع من السحالي الموجودة في صحراء الرمال البيضاء في نيو مكسيكو.

أظهرت كل من سحالي هولبروكيا المرقطة والسحالي ذات الذيل الخيطي الطويل وسحالي السور الشرقية تجمعات بيئية تتشابه مع التربة الداكنة أو الرمال البيضاء في المنطقة. وقد وجدت الأبحاث التي أجريت على هذه الأنواع اختلافات شكلية ووراثية كبيرة بين السحالي الداكنة والسحالي الفاتحة بسبب ضغوط الانتقاء القوية. على سبيل المثال اظهرت سحالي هولبروكيا المرقطة اختلاف شكلي كبير (يتطابق بشكل أفضل مع لون بيئتها) مقارنة بالسكان ذوي اللون الفاتح الذي يبدون أقل نسبة تبادل للجينات بين المجموعات وأعلى اختلافات جينية عند مقارنتها بالأنواع الأخرى من السحالي.

تعتبر الرمال البيضاء في نيو مكسيكو تكوين جيولوجي حديث (منذ نحو 6000 سنةref name=JMRobertson /> وربما 2000 سنة فقط). يشير هذا التغير الحديث لكثبان الرمال الجبسية إلى أن الأنواع التي تظهر اختلافات ذات لون أفتح قد تطورت في إطار زمني قصير نسبيًا. تم ذكر الأنواع الثلاثة للسحالي السابقة لعرض تغير اللون من أجل التعايش مع المتغيرات البيئية.

لم تطور هذه الأنواع الثلاثة ألوانها فقط بسبب ضغوط الانتقاء البيئية بل طورت أيضًا سمات التشكل البيئي مثل: التشكل والسلوك (سلوك الهروب) والأداء (سرعة الركض) بشكل جماعي.

وجد عمل روش نتائج مذهلة في سلوك الهروب لدى سحالي هولبروكيا المرقطة وسحالي السور الشرقية. عندما وضعوا السحالي الداكنة على الرمال البيضاء تضاءلت استجابتها للمفاجئات بشكل كبير. قد يكون ذلك النتيجة عوامل مختلفة تتعلق بدرجة حرارة الرمل أو حدة البصر، وبغض النظر عن السبب «… إن فشل السحالي في الهرب ضمن البيئات غير المتطابقة يمكن أن يجعلها غير قادرة على التكيف عندما مواجهة المفترسات».

تم نقل المقال من ويكيبيديا بالتصرف.

اقرأ أيضًا: أدلة السلف المشترك – أدلة من علم الأحياء القديمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *