دراسة جديدة من جامعة أريزونا تساعد في توضيح السبب الذي يجعل المجموعات الحيوانية (الشعب) تختلف عن بعضها بشكل جذري من حيث عدد الأنواع* التي تتضمنها، وكيفية ارتباط ذلك بالاختلافات في شكل الجسم وأسلوب الحياة.
تعجب البشر على مر السنين من تنوع واختلاف الحيوانات في مختلف بقاع الأرض، ولغاية الآن وصف علماء الأحياء وصنفوا حوالي 1.5 مليون نوع حيواني، جميع هذه الأنواع الحيوانية تندرج تحت حوالي 30 فئة/شعبة تختلف فيما بينها بشكل كبير بعدد الحيوانات التي تضمها، إذ نجد شعبة تضم نوعًا واحدًا فقط، وأخرى تضم حوالي 1.2 مليون نوع كما في شعبة مفصليات الأرجل التي تضم الحشرات وغيرها. تختلف الحيوانات عن بعضها بشكل الجسم وطريقة الحياة إذ نجد حيوانات شبيهة بالنباتات تفتقر للرؤوس والعيون والأطراف والأعضاء المعقدة كما في أنواع الإسفنج البحري الثابت، وحيوانات طفيلية مثل الديدان التي تعيش داخل عضويات أخرى (كالديدان الخيطية والديدان المسطحة)، وحيوانات تمتلك عيونًا وأطرافًا وأعضاء معقدة تسود اليابسة من حيث عدد الأنواع كما في شعبة مفصليات الأرجل، ومن حيث حجم الجسم كما في شعبة الحبليات – التي تضم الفقاريات.
وسط هذا التنوع المبهر لأشكال الحياة يبقى هذا السؤال صعبًا بقدر ما هو جلي وحاضر: لمَ بعض المجموعات في شجرة تطور الحيوانات تفرعت إلى عدد مذهل من الأنواع في حين بعض المجموعات الأخرى تشعبت لعدد قليل فقط ثم توقفت؟
في هذه الدراسة الجديدة ساعد كل من العالمان تيريزا جيزكوفا وجون وينز من جامعة أريزونا، قسم علم البيئة والبيولوجيا التطورية بالمساعدة على إيجاد إجابة لهذه المسألة، فأنشؤوا قاعدة بيانات تجمع 18 سمة تتضمن صفات مميزة لها علاقة بالتشريح والتكاثر والبيئة، ثم اختبروا علاقة كل سمة بعدد الأنواع في كل شعبة وبسرعة تكاثرها عبر الوقت، والنتائج التي وجدوها نُشِرَت في دورية (The Journal American Naturalist).
وقد شملت النتائج ثلاث سمات رئيسية تفسر معظم أسباب تنوع وتعداد الأنواع ضمن الشعبة الحيوانية: فالشعب الأكثر نجاحًا هي تلك التي يمتلك أنواعها هيكلًا (داخليًا كما في الفقاريات، أم خارجيًا كما في مفصليات الأرجل)، وتعيش على اليابسة (وليس في المحيط)، وتتطفل على عضويات أخرى، بينما لا تحمل باقي السمات الأخرى تأثيرًا كبير على التنوع والعدد، فالإنجازات التطورية كامتلاك رأس وأطراف وأنظمة أجهزة معقدة كالدوران والهضم لا يبدو أنها تُشكّل فارقًا أساسيًا.
يقول وينز: «التطفل غير مرتبط بأي سمات أخرى، لذا يبدو أنّه يمتلك تأثيره القوي الخاص»، ويضيف موضحًا أن النوع المضيف للطفيلي عندما يتشعب إلى نوعين فإن هذين النوعين يأخذان معهما الطفيلي أيضًا، «قد تجد داخل المضيف أكثر من نوع طفيلي واحد، على سبيل المثال؛ قد يحمل المضيف الواحد عشرة أنواع من الديدان الخيطية، وإذا انقسم المضيف إلى نوعين قد يصبح لدينا 20 نوعًا من الديدان، وهذا يساعد حقًا على مضاعفة التنوع».
استخدم الباحثون طريقة إحصائية تدعى تحليل الانحدار المتعدد (Multiple Regression Analysis) لمعرفة فيما إذا كان التطفل آلية محتملة لتنوع الأنواع، يقول وينز: «لقد قمنا باختبار كل سمة من تلك السمات على حِدة، ومن هذه السمات على سبيل المثال؛ امتلاك رأس، امتلاك عيون، الوسط الذي تميل أغلب الأنواع في الشعبة على العيش فيه، طريقة التكاثر جنسية أم لا جنسية، فيما إذا كانت تمر هذه الأنواع بانسلاخ أم لا (التحول في الشكل من كائن غير ناضج إلى بالغ على عدة مراحل)، ومن تلك الصفات اخترنا ست صفات لها تأثير قوي منفرد، وأدرجناها فيما بعد في نموذج الانحدار المتعدد الإحصائي، ثم طرحنا هذا التساؤل: أي مزيج من هذه السمات يفسر التنوع بدون الحاجة إلى أي متغيرات غير ضرورية؟– ومن هذا توصلنا إلى ثلاثة متغيرات أساسية».
أشار الباحثون إلى أن التحليل لا يعطي أي افتراضات حول السجل الأحفوري، الذي لا يُعَد انعكاسًا حقيقيًا كاملًا للتنوع الحيوي الماضي، فهو لا يكشف عن الحيوانات الرخوة ولا عن بعض السمات كأساليب الحياة الطفيلية، يقول وينز: «نحن نريد أن نعرف أنماط التعدد للأنواع التي نراها اليوم، من هم الرابحون ومن هم الخاسرون؟».
التنوع الحيوي البحري في خطر بسبب النشاطات البشرية -كالتحمُّض الناجم عن انبعاثات غاز الكربون مثلًا- التي تشكل خطرًا وجوديًا يهدد حيوانات بحرية عديدة، يقول وينز: «العديد من الأنواع الحيوانية الفريدة تعيش فقط في المحيطات ويمكن أن نفقدها بسهولة، فالعديد من المجموعات التي استطاعت أن تنجو عبر مئات الملايين من السنين يمكن أن تختفي خلال فترة وجودنا، وهذا فظيع، الكثير من حيوانات الشعب الخاسرة من حيث عدد الأنواع في الوقت الحاضر تعيش في المحيط، وبسبب النشاطات البشرية من الممكن أن تنقرض تمامًا».
تقترح الدراسة أنّ الانقراض الناجم عن صنع البشر قد يؤدي إلى خسائر فادحة للتنوع الحيوي على الأرض، وذلك بسبب تأثير الانقراض الثانوي كما يشرح وينز إذ يقول: «عندما ينقرض نوع ما، فإنّ كل نوع يعيش فيه أو عليه يميل أيضًا للانقراض».
* النوع: مرتبة أساسية من مراتب التصنيف الحيوي ويعبر عن مجموعة من الكائنات الحية القادرة على التزاوج فيما بينها وإعطاء نسل خصب قادر على التزاوج فيما بينه أيضًا.
الشعبة الحيوانية: هي مرتبة تصنيفية من مراتب التصنيف الحيوي، أدنى من المملكة (هنا المملكة الحيوانية) وأعلى من الطائفة أو الصف (class)، ولها تعريفان؛ تعريف يعتمد على العلاقة المورثية وآخر على تخطيط الجسم.
اقرأ أيضًا: لماذا يمتلك البشر قضيب كبير وخصيتان صغيرتان على عكس الرئيسيات الأخرى
المصدر: eurekalert