في وقتنا الحالي ، يمكن للعديد من الأشخاص سرد مجموعة من الطرق التي تتبعها الفئات لخلق الفوضى على هذا الكوكب . الإجابة في هذا البحث ليست أكاديمية، لكن بإمكانها أن تبيّن لنا مدى سوء الأمر .
تتحدث عالمة الحيوانات سارة أوتو Sarah Otto بالتفصيل عن كيفيّة إنتاج البشر لفوضى الأشياء ، بهدف طرح تساؤلها عن كيفيّة تأثير ذلك على التطور و التنوع الأحيائي بشكلٍ عام . تقول أوتو في مقالها الأخير: «إن السرعة التي تغيرت بها البيئة الحيوية وغير البيولوجية للأنواع، قد غيّرت بالفعل المسار التطوري للأنواع، باتجاه تصاعدي».
لا يُعتبر التغير في النظم الإيكولوجية بالأمر الجديد. إذ فقدنا ما يقارب 90% من جميع الأنواع التي عاشت على الأرض، كما حدث بطائر الدودو، ما يجعل من الانقراض صفةً لا مفر منها للمحيط الحيوي.
لكن القوى التي شهدت صعودًا وانهيارًا للأنواع في الأوقات السابقة تميل لتكون أبطأ بكثير مقارنةً بما كان يحدث خلال القرن الماضي وما بعده. كان عدد البشر قبل 100 عام حوالي 1.8 مليار نسمة، يقترب العدد الآن من 7.6 مليار نسمة، أي معدل نمو 1% سنويًا.
في حال لم يكن تزايد عدد الأفواه المتطلّبة للغذاء أمرًا سيئًا بشكلٍ كافٍ، فسيكون ازدياد البصمة البشرية على صعيد المحيط الحيوي العام بمعدل النصف من التزايد السكاني.
أدى تزايد عدد الأشخاص ذي التأثير الكبير على البيئة إلى تزايد معدل الخراب، ما رفع معدل الانقراض العالمي، كما رفع شهود نهاية عدد كبير من المخلوقات مقارنةً بحيز حياة إنسان واحد. بالمعدل، قُمنا بتجريد التربة السطحية للأرض بمقدار مترين (6 أقدام) أي 8% من الكربون، ورفع درجة حرارة الكوكب بمعدل 1 درجة مئوية (1.8 فهرنهايت)، وخفض توازن الحموضة في المحيطات بمعدل 0.1 وحدة قياسية.
هذه ليست مجرد تأثيرات ضخمة، بل إنّها غير مسبوقة من حيث السرعة، ما يعني أننا لا نملك الكثير لمعرفة مدى الاستجابة البيولوجية الطبيعية لهذا التحول السريع. تقول أوتو: «تشير الأرقام إلى أن التنوع البيولوجي في العالم يتغير، بواسطة التغيير التطوري ضمن وبين مستويات الأنواع».
يمكن تصنيف الضغوط المؤثرة على هذا التحول في التنوع البيولوجي بطرق مختلفة. تضع أوتو جانبًا الضغوط الاختيارية المتعمدة -تلك التي نتعمد سنّها عن طريق تهجين أنواع جديدة أو عن طريق الهندسة الوراثية- وتركز على تلك التي نؤثر فيها مصادفةً.
على سبيل المثال، ببساطة، نحن نؤثر على طريقة حركة الحيوانات ونمو النباتات وتكاثر الميكروبات بواسطة تعديل المظهر الجسدي الطبيعي وإضافة هياكل جديدة. يمتلك هذا تأثيرًا جذريًا على بقاء الأنواع أو اختفائها، أو أنه يؤثر ببراعة على وظائفها وعِلم التشكّل (مورفولوجيا-morphology: هو علم يهتم بدراسة شكل وبنية الكائنات الحية وخصائصها المميزة).
تقول أوتو: «تطور امتداد أجنحة (طائر السنونو – swallows) ليكون أقصر ضمن منطقة العيش القريبة من الطرقات، إذ إنّ غالبية ضحايا السنونو التي تسببت بها حركة المرور امتلكت أجنحةً طويلة، ويجعلها هذا التغير ملائمةً للمناورة وتفادي وقوع الحوادث بين المركبات». قمنا أيضًا بتعديل البيئة المعيشية، أصبحنا نزرع الأصناف بسرعة ضمن مسارات كانت لتكون معيقة لانتشار هذه الأصناف في وقتٍ آخر. ثمّ إنّ هناك الضغط الواضح الذي تفرضه حاجياتنا ومطالبنا المفترسة، مثل صيد حيوانات بالحجم المطلوب، أو التخلص من الأعشاب الضارة، أو الآفات التي تضر بغلاتنا من المحاصيل.
ليس هناك نقص في الأمثلة المتعلقة بالأنواع المفقودة والتكيف الملحوظ مع الوجود البشري. لكن لا يزال معدل ظهور الأنواع الجديدة ملفوفًا بالغموض.
تقول أوتو: «هناك معلومات أقل عن كيفية تغيير البشر لمعدل التنوع». هناك الكثير من التقديرات، أكثرها تفاؤلًا يتوقع الحاجة إلى ملايين السنين لتعود بعض أنواع التنوع البيولوجي إلى سابق عهدها قبل الحداثة. نحن كالدمار، لكنّنا ساهمنا بالمقابل بزيادة التنوع الجيني ببعض الطرق، سواء من خلال التوزيع السكاني أو خلق المنافذ في البيئة الجديدة .
يضيف هذا كلّه تفسيرات إلى مسألة التوازن في التنوع البيولوجي على مدار الفترات الزمنية الطويلة القادمة. هل هناك نوع يمكن تحقيقه من التوازن واسع النطاق في هذا المشهد التطوري الجديد؟ أم تضعنا الضغوط البشرية باستمرار أمام مشقة حتمية متزايدة؟ تعتقد أوتو أنّ عدم معرفتنا الكافية مشكلة. وتُحذر: «كما شهدنا تطور مقاومة المضادات الحيوية، قد يفرض البشر الاختيار، لكننا لن نبقى القوة العظمى في كثير من الأحيان». عندما يتعلق الأمر بالبيئة، لا تكون الأخبار سارةً دائمًا. لكن يجدر بنا القلق حول حقيقة أنّنا ما زلنا لا نعرف إلا القليل جدًا حول تأثيرنا.
نُشِرَت هذه الدراسة في (محضر الجمعية الملكية باء – Proceedings of the Royal Society B)
اقرأ أيضًا:
العلماء يشهدون تطور طحالب وحيدة الخلية إلى متعضيات متعددة الخلايا