ما هو التطوّر؟
في معناها الأصلي، كلمة التطوّر (أو Evolution بالإنجليزيّة) تعني «الانبساط»، أو «التفتّح»، تماماً كما يحدث عندما يتمّ بسط صحيفة مطويّة من ورق البردي للكشف عن محتوياتها.
بإمكاننا أن نتحدّث عن تطوّر الكثير من الأشياء، من حياة فردٍ واحد وحتّى تطوّر الكون.
في أعمّ معانيها، كلمة التطوّر تعني «التغيّر».
علماء الأحياء لديهم تصوّر محدّد جدًّا لنوعيّة العمليّات التي من الممكن وصفها بأنّها “تطوّر” في السّياق البيولوجي.
التطوّر البيولوجي هو تغيّر وراثيّ في مجموعة من الكائنات الحيّة عبر الزّمن.
المجموعات والأفراد يتغيّرون بصورٍ مختلفة، ولكن بعض هذه التغيّرات فقط هي تغيّرات تطوّريّة.
هذه قائمة بسبعة أمور عن التطور:
القائمة ليست شاملة، ولكنّها توجّه النظر إلى عدّة مسائل هامّة والتي قد تساعدك على فهم كيف ينظر علماء الأحياء التطوّريّة إلى عملية التغيّر التطوّري:
1- التطوّر هو تغيّر في المجموعات الحيّة
الأفراد يتغيّرون على مدى فترات حياتهم، حتّى من يومٍ لآخر.
هذه التغيّرات لا تُعتبر تطوّرًا في السّياق البيولوجي، مع أنّها قد تكون نتاج لتطوّرٍ عند مجموعات قديمة.
بطريقة مماثلة، الغابة قد تتغيّر عبر الزّمن، إذ أنّ بعض أنواع الشّجر تنتشر وأخرى تختفي.
هذه التغيّرات في مبنى المجموعة ليست بذاتها تطوّرٌ بالمعنى البيولوجي، ولكنّها من الممكن أن تؤثّر على تطوّر مجموعات الأشجار التي تتكوّن منها الغابة.
2- التطوّر هو تغيّر في السّمات الوراثيّة
أنواع عديدة من التغيرات في الصّفات الظّاهرة لا تتضمّن تطوراً بالمعنى البيولوجي.
على سبيل المثال، لقد زاد معدّل أعمار الكثير من التجمعات البشرية بشكلٍ ملحوظ في المئة عام الأخيرة كنتيجة لتحسّن في الغذاء ونقص في الأمراض.
هذه التغيّرات مهمّة و واضحة للعيان، و لكنّها لا تُعدّ تطورًا بالمعنى البيولوجي.
الخواص الجسمانية والسلوكيّة يمكن أن تتطوّر فقط لو كان هنالك إسهام وراثي لتنوّعها في المجموعة الحيّة، أو بكلماتٍ أخرى، إذا كانت صفات مورّثّة (أو قابلة للتّوريث).
3- العديد من أنواع التغيّرات الوراثيّة هي مهمّة للتطوّر
الطّفرات تحدث عندما لا يتمّ نسخ سلسلة الـ DNA بإتقان تام.
الطّفرات في سلسلة الـ DNA قد تكون تغيّر في نيوكليوتايد واحد، إضافة أو حذف سلسلة قصيرة من الـ DNA، أو تكرار أجزاء كبيرة من الكروموسوم وإضافتها إلى كروموسومات مختلفة.
عند بعض أنواع النّباتات، لقد تمّ تكرار نسخ جينوماتها الكاملة مرّتين أو ثلاثة مرّات.
أنماط التغيّر الوراثي هذه قد يكون لها آثار مختلفة على المظهر الخارجي وسلوك الكائن الحيّ، أو قد لا يكون لها أثرٌ على الإطلاق.
ولكنّها جميعًا تتبع نفس الأسس الرّياضيّة، إذ أنّ نسبتها تتغيّر في المجموعات الحيّة.
4- التطوّر قد يكون غير عشوائيّ
لا يُمكن لمجموعات الكائنات الحيّة أن تستمرّ بالنموّ والتّكاثر إلى ما لانهاية، ولذلك فإنّ مورّثات الأفراد الذين ينجحون بالتّكاثر ستزداد نسبتها عبر الزّمن.
من بين المورّثات التي يحملها هؤلاء الأفراد النّاجحين قد يكون هنالك جينات تمكّنهم من البقاء والتّكاثر، لأنّهم يتكيّفون مع البيئة بشكلٍ أفضل.
إنّ بقاء وانتشار هذه المورّثات ليس بالأمر العشوائيّ، إنّما هو نتيجة لقيمتها في البيئة.
هذه العمليّة تُسمّى بالانتخاب الطّبيعي، وهي السّبب وراء اكتساب المجموعات الحيّة صفات وسلوكيّات موائمة لبيئتها.
5- التطوّر قد يكون عشوائيّ، أيضًا
الكثير من التغيّرات الوراثيّة تبقى محجوبة، ولا تصنع فرقًا عند الكائن الحيّ.
والكثير من التغيّرات التي تصنع فرقًا ملاحظًا في شكل أو سلوك الكائن الحيّ قد لا تؤثّر على فرصِهِ للتّكاثر.
حتّى في حالة الأفراد الذين يتمتّعون بأفضل المورّثات، قد يكون هنالك عوامل عشوائيّة تؤثّر على فرص تكاثرهم، وفي الكائنات التي تتكاثر جنسيًّا، المورّثات تتوزّع بشكلٍ عشوائيّ إلى الحيوان المنوي والبويضة.
وكنتيجة لذلك، حتّى عندما يمتلك الفرد مورّث مفيد قد يزيد من فرصه للتّكاثر، هنالك احتمال بأنّ هذا المورّث ذو القيمة العالية قد يختفي من المجموعة الحيّة بعد ظهوره مباشرة.
إنّ أثر هذا «الانحراف الوراثي» يظهر بقوّة أكثر في المجموعات الصّغيرة أو عندما تكون المورّثات نادرة، ولكنّه موجود طيلة الوقت.
الأحداث العشوائيّة لها دورٌ مستمرّ في التغيّر البيولوجي.
6- المجموعات الحيّة تتطوّر طوال الوقت
لا يُمكن لمجموعة حيّة أن تبقى ثابتة لوقتٍ طويل.
التّكاثر ليس منتظمًا، ولا يوجد كائن حيّ ينسخ سلسلة الـ DNA الخاصّة به بإتقانٍ تامّ.
جينوم أبسط أنواع الباكتيريا يحتوي آلاف النّيوكليوتايدات، جينومنا يحتوي على مليارات.
الاحتفاظ على ثبات هذه السّلاسل، جيل بعد جيل، هي مَهمّة لم تتمكّن من تحقيقها أيّ مجموعة حيّة حتّى الآن.
التنوّع الوراثي يتمّ إدخاله إلى المجموعات الحيّة طوال الوقت عبر الطّفرات والهجرة، والنّوعيّات الوراثيّة النّادرة دائمًا ما تختفي عندما لا يتمّ تمريرها عبر الأفراد الذين يحملونها.
وفي بعض الأحيان، المورّثات النّادرة تصبح أكثر شيوعًا – إمّا عبر الانتخاب الطّبيعي أو الانحراف الوراثي.
إذا بقي الشّكل الخارجي لمجموعة حيّة ثابتًا لفتراتٍ طويلة، فسيكون لدينا دافع قوي للاعتقاد بأنّ الانتخاب الطّبيعي يعمل على مقاومة التغيّرات العشوائيّة.
7- نظريّة التطوّر تغيّرت كثيرًا منذ الفترة التي عاش فيها داروين
لقد توصّل تشارلز داروين إلى العديد من الرّؤى الهامّة عن التطوّر البيولوجي، وهذا يشمل عمليّة الانتخاب الطّبيعي، النّمط الهرمي لعلاقة القرابة بين الأنواع الحيّة، وإمكانيّة حصول تغيّرات عظيمة عن طريق عمليّات تحقّق تغيّرات صغيرة وتدريجيّة عبر الزّمن، ولكنّنا الآن نعرف أكثر ممّا عرف داروين في زمانه.
نحن نفهم الأساس الجزيئي للتغيّرات الوراثيّة، ونفهم العديد من الطّرق التي عن طريقها تتأثّر صفات الكائنات الحيّة بالتغيّر الوراثي والبيئي.
لقد تعلّمنا الكثير عن حدود التطوّر، وأنماط بديلة للتغيّر والتي تتسبّب بها البيئة، وأهميّة العشوائيّة.
نحن نعلم الكثير عن تغيّر سرعة التطوّر، وننظر للتطوّر على أنّه عمليّة ديناميكيّة يُمكن أن يحدث بشكل متقطّع وغير منتظم.
التطوّر هو الفكرة الأكثر قوّة في علم الأحياء، إذ أنّها تنظّم معرفتنا بتاريخ وتنوّع الحياة.
نحن نفهم أصولنا باستعمال نفس الآلات التي نستعملها لفهم أصول الكائنات الحيّة الأخرى، من أبسط أنواع الباكتيريا وحتّى أضخم الحيتان.
المصدر: johnhawks.net
اقرأ أيضًا: وجود جينات لسلالات بشرية منقرضة في الحمض النووي للإنسان المعاصر